لقد رآه مائة مرة واقفا حذو الزرع فوق تلك الربوة... لابد أنه كان يسرق المحصول. كان ينادي والده الذي يسرع بالمجيء لكنه يغضب ويقول:" أخبرتك أكثر من مرة أن الكذب حرام... أين ذلك اللص الذي تتحدث عنه؟ هل تظن أن لدي متسع من الوقت حتى أهتم بهذه الألعاب الصبيانية التافهة؟ إذهب إلى غرفتك، علي أن أعمل في الحقل بجد حتى نعيش دون أن أهتم بسخافاتك."
لقد كان متأكدا من وجوده... أجل، يلبس قبعة وثيابا ممزقة، وكان وجهه مضحكا ومخيفا في نفس الوقت. إنه يكرهه لأنه يسرق طعامهم ويطرد الطيور، وهو يحب العصافير.
فكر في أن والده مريض. ربما كان أعمى البصيرة أو لعله هو من يتوهم... لكنه متأكد... إنه متأكد.
قرر في إحدى الليالي أن يتأكد من الأمر... عليه أن يحسمه... حمل بندقية والده وأخذ يمشي بعزم وثبات وكان يتوقف بين الفينة والفينة كي يستجمع بعض قوته وشجاعته... حين وصل، رآه جيدا... إنه الآن وجها لوجه أمام غريمه.
- ماذا تريد؟ هكذا صرخ الولد.
- لماذا تسرق زرعنا؟ لكنه لم يبد حركة... لم ينطق بكلمة... جن جنون الطفل، إنه يسخر منه، لأنه ضعيف. استجمع قواه ورباطة جأشه وصوب البندقية نحوه.. لم ينطق ببنت شفة.. ضغط الطفل على الزناد لكن خصمه مكث مكانه.
- لقد استسلم. صاح الطفل.. اخترقت الرصاصة جسمه وأسرع الأب إلى الحقل إثر سماعه صياح إبنه... هناك، وجد ولده راكعا على ركبتيه، خائر القوى، منهار الأعصاب، محطما، في حال يرثى لها وهو يقول يائسا:" لقد قتلته، انقضى الأمر."
صدم الفلاح وأجهش بالبكاء. لقد ضاع مستقبل الفتى. نظر إلى الجهة الأخرى.. وجد شيئا ملقى على الأرض فاقترب منه بعين دامعة.. لقد رأى... رأى فزاعة الغربان وقد انقسمت نصفين فأطلق ضحكة في الهواء.